عيد الميلاد في بيت لحم.. كيف تُسلب حياة الأطفال الفلسطينيين دون مساءلة؟

عيد الميلاد في بيت لحم.. كيف تُسلب حياة الأطفال الفلسطينيين دون مساءلة؟
مدخل مخيم عايدة في بيت لحم

يعيش أطفال الضفة الغربية، واقعاً حقوقياً قاسياً في وقت تستعد فيه مدينة بيت لحم للاحتفال بعيد الميلاد، متجاوزة الطقوس الدينية مع مشاهد القتل والخوف وغياب المساءلة.

يروي موقع "ذا فيريت" قصة الطفل الفلسطيني محمد عزيا، البالغ من العمر 17 عاماً، الذي قُتل برصاص قناص إسرائيلي في بيت لحم، وسط روايات متطابقة من عائلته ومنظمات حقوقية تؤكد عدم محاسبة أي طرف على مقتله، معتبرةً أن قصته ليست استثناءً بل جزءاً من نمط متكرر في مختلف أنحاء الضفة الغربية، في انتهاك واضح لاتفاقية حقوق الطفل.

يصف والد محمد، علي عزيا، تفاصيل فجر يوم 10 نوفمبر 2023، حين كان متجهاً إلى صلاة الفجر في مسجد بيت لحم، بينما كان ابنه يستعد للحاق به لاحقاً، يتذكر أن الطلقة الوحيدة التي سُمعت في الحي الهادئ نسبياً كانت كافية لتحويل صباح عادي إلى مأساة دائمة.

يشرح أن تلك الليلة تزامنت مع استمرار حملات الاعتقال الجماعي التي نفذتها القوات الإسرائيلية في الضفة الغربية عقب هجمات 7 أكتوبر، حيث اعتُقل 51 شخصاً في مدن وبلدات خاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، من بينهم 14 شخصاً في محافظة بيت لحم، بعد اقتحام المدينة ومخيمي الدهيشة وعايدة.

تسرد الابنة الكبرى للعائلة، طالبة الطب، لحظة سماعها صوت الطلقة، مؤكدةً أنها أدركت فوراً أن شقيقها في خطر لأنه كان في طريقه إلى المسجد.

ركضت إلى سطح المبنى، حيث كان محمد يدرس في غرفة صغيرة أعدّها له والده، لتجده ملقى على جانبه بعد إصابته برصاص قناص.

ينقل علي عزيا عن تلك اللحظة قوله إن ابنه "وُلد يوم جمعة بعد صلاة الفجر، وفي الوقت ذاته أُخذ".

القتل دون محاسبة

يوثق "ذا فيريت"، استناداً إلى وثائق منظمة الدفاع عن أطفال فلسطين (DCIP)، أن محمد كان واحداً من خمسة أطفال أُصيبوا بالرصاص خلال 24 ساعة فقط في نهاية ذلك الأسبوع.

يسجل مقتل أطفال آخرين خلال غارة عسكرية إسرائيلية على مدينة جنين شمال الضفة الغربية، وهم لطفي تركمان (12 عاماً)، وقيس دويكات (14 عاماً)، وأحمد خلف (17 عاماً)، ومحمد زايد (13 عاماً).

تقول الحكومة الإسرائيلية في روايتها، بحسب التحقيق، بأن هذه العمليات تستهدف من تصفهم بـ"المسؤولين عن هجمات إرهابية"، بينما تؤكد منظمات حقوقية أن الأطفال يُقتلون في سياق عمليات عسكرية لا تميّز بين مدنيين ومقاتلين.

تتماشى هذه الوقائع مع اتهامات متكررة من منظمات مثل "إنقاذ الطفولة" بانتهاك إسرائيل لاتفاقية حقوق الطفل، وهي الاتهامات التي تنفيها السلطات الإسرائيلية، في مقابل دعوات حقوقية متزايدة لتحرك دولي.

يستعرض "ذا فيريت" الخلفية التاريخية والدينية لمدينة بيت لحم، بوصفها مهد السيد المسيح، ومكاناً تتقاطع فيه الرمزية المسيحية والإسلامية، حيث يعيش سكان مسلمون ومسيحيون في ظل واقع أمني متوتر.

ويشير إلى أن المدينة تستعد للاحتفال بعيد الميلاد علناً لأول مرة منذ عامين، بعد إلغاء الاحتفالات خلال قصف غزة، مع إضاءة شجرة الميلاد التقليدية أمام كنيسة المهد، في مشهد يتناقض مع ما يجري على بُعد كيلومترات قليلة.

كما يصف مخيم عايدة للاجئين، الواقع على بعد أقل من ثلاثة كيلومترات من الكنيسة، والذي تأسس عام 1950 ويؤوي نحو 5000 لاجئ نزحوا من 28 قرية.

يوضح أن مدخل المخيم تعلوه مجسّمة لمفتاح العودة، في إشارة إلى الحق الذي يستند إليه الفلسطينيون بموجب قرار مجلس الأمن رقم 194.

ينقل عن دراسة لمركز بيركلي لحقوق الإنسان عام 2017 أن مخيمي عايدة والدهيشة يُعدان من أكثر الأماكن تعرضاً للغاز المسيل للدموع في العالم.

الطفولة تحت الاحتلال

يرصد "ذا فيريت" من سطح مركز لاجي الشبابي مشهد جدار الفصل العنصري، إلى جانب مستوطنتي حوما وجيلو المحظورتين بموجب القانون الدولي، وأبراج عسكرية تنتشر فيها كاميرات المراقبة وجنود مسلحون، كما يعرض صورة ملعب كرة القدم التابع للمركز، وخلفه المقبرة التي دُفن فيها محمد، في تلاصق رمزي بين الحياة والموت.

ويستعيد علي عزيا تفاصيل محاولته إنقاذ ابنه، موضحاً أن سيارة إسعاف استدعاها الجيران مُنعت من دخول المخيم، ما اضطره لحمل ابنه ونقله بسيارته الخاصة، ويؤكد أن الجنود أوقفوا السيارة عند مدخل المخيم، وأجبروه على إنزال ابنه، مدّعين نقله للعلاج، قبل أن يقتادوا الأب لتفتيش المنزل، فيما تنقل والدة محمد صدمة العائلة، قائلة إن الجنود غادروا بعد التفتيش دون العثور على شيء، بينما ظل مصير ابنها مجهولاً.

ويقول علي عزيا إن العائلة تفتقد محمد يومياً، بينما تؤكد والدته أن الحزن "لن يزول أبداً".

من جانبهم، يسجل باحثو منظمة الدفاع عن أطفال فلسطين شكوكاً حول وصول محمد إلى المستشفى، قبل أن تتسلم العائلة جثمانه في اليوم التالي من نقطة عسكرية داخل كيس بلاستيكي.

الأرقام تتحدث

تشير إحصائيات الحكومة الإسرائيلية إلى مقتل 38 طفلاً خلال هجوم 7 أكتوبر، بينما تقدّر الأمم المتحدة مقتل ما يعادل 28 طفلاً يومياً في غزة، بإجمالي يزيد على 18 ألف طفل، إضافة إلى عشرات آخرين بعد اتفاق وقف إطلاق النار في 11 أكتوبر.

يبرز دور منظمات حقوق الإنسان في الضفة الغربية، حيث توصل تقرير منظمة الدفاع عن أطفال فلسطين لعام 2024 بعنوان "استهداف الطفولة" إلى أن القناصة الإسرائيليين يطلقون النار بشكل روتيني لقتل الأطفال، وأن القوات الإسرائيلية منعت الإسعاف في 43% من الحالات التي شملها التقرير، وعددها 141 حالة.

توضح مسؤولة المناصرة في منظمة الدفاع عن أطفال فلسطين، ميراندا كليلاند، أن حالة محمد "نموذجية"، مؤكدةً عدم محاسبة أي جندي إسرائيلي على قتل الأطفال الفلسطينيين.

ترجع كليلاند ذلك إلى ما تصفه بانعدام الإرادة السياسية، مشيرةً إلى أن المجتمعات الفلسطينية من بين الأكثر مراقبة في العالم.

وتنقل كليلاند الأثر النفسي العميق لفقدان الأطفال وغياب العدالة، موضحةً أن مصادرة الجثامين في بعض الحالات تحرم العائلات من الحداد والدفن، وتشرح أن هذا الواقع يولّد شعوراً دائماً بانعدام الأمان لدى الأطفال وعائلاتهم.

تعكس شهادة الأم الفلسطينية غدير، التي يعيش زوجها رهن الاعتقال الإداري، واقع آلاف العائلات، حيث يُحتجز أكثر من 3000 فلسطيني إدارياً، بينهم نحو 350 قاصراً، لم تُوجّه تهم إلى ما يقرب من نصفهم.

تنقل غدير قلقها على أطفالها، في ظل وجود برج عسكري مقابل نافذة المنزل، وآثار رصاص على الجدران.

ويصف الطفل مصطفى (11 عاماً) شعوره بالخوف الدائم من وجود الجنود، مؤكداً صعوبة شرح هذه التجربة لأطفال خارج فلسطين، ويروي كيف شهد اعتقال والده، وما تبعه من غياب عن المدرسة وبكاء متواصل.

 تقارير 2025

يستعرض تقرير منظمة الدفاع عن أطفال فلسطين الصادر في 16 ديسمبر 2025 بعنوان "لا مكان آمن" واقعاً وصفته المنظمة بالكارثي، مؤكدةً تعرض الأطفال الفلسطينيين للقتل والتجويع والتعذيب والتهجير القسري والاختفاء القسري في غزة والضفة الغربية.

ويؤكد المدير العام لمنظمة الدفاع عن أطفال فلسطين، خالد قزمار، أن القوات الإسرائيلية قتلت وعذبت وجوّعت واختطفت أطفالاً فلسطينيين يومياً خلال عام 2025، في ظل إفلات كامل من العقاب.

يوثق التقرير مقتل 54 طفلاً فلسطينياً في الضفة الغربية خلال عام 2025، وإصابة أطفال آخرين بالرصاص داخل منازلهم، ومنع المسعفين من الوصول إليهم.

كما يسجل احتجاز جثامين 62 طفلاً فلسطينياً منذ عام 2016، وإعادة جثامين ستة فقط لعائلاتهم.

يعرض التقرير أوضاع غزة، حيث وثّقت المنظمة حالات قتل جماعي وتشويه، وعرضت فيلماً وثائقياً بعنوان "من خلال عيون طفل"، إلى جانب شهادات عن تجويع الأطفال واستخدام المجاعة كسلاح حرب.

يفصل التقرير تصاعد الاعتقال الإداري للأطفال، موثقاً احتجاز 168 طفلاً إدارياً من أصل 350 محتجزاً حتى سبتمبر 2025، بنسبة 48%، وهي الأعلى منذ عام 2008.

ويصف التقرير التعذيب الممنهج للأطفال، مستنداً إلى 325 إفادة خطية، تؤكد تعرض 74% للعنف الجسدي و58% للحرمان من الغذاء والماء.

يختتم التقرير بالتأكيد على أن غياب المساءلة هو جوهر الأزمة، داعياً المجتمع الدولي إلى التحرك، ومشدداً على أن الأطفال الفلسطينيين يستحقون الأمان والعدالة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية